الأربعاء، 13 مايو 2020

ايهاب عمر سيد قطب

بوست للكاتب ايهاب عمر
مقدمة ورقة بحثية انتهيت من كتابتها عن سيد قطب ::

ثمة اتفاق غير مكتوب بين الاسلامين و العلمانيين على حد سواء حول تجاهل سيرة سيد قطب، لانه يمثل الحلقة المفقودة في فهم كافة أكاذيب الفريقين على حد سواء ، لان حقيقة ان سيد قطب هو المنظر و صائغ ايدولوجيا السلفية الجهادية في العصر الحديث تضرب الاساطير التي روج لها العلمانيين عن الفكر المتطرف القادم من خارج البيئة المصرية و الوهابية الزاحفة لمصر من اتون صحاري العرب و أموال طويل العمر التي اشترت البلاد و العباد ، فالحقيقة ان فكر الوهابية و الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يكتب له التمكين داخل الأراضي السعودية نفسها الا بالديباجات التي كتبها قطب .

في حين يحاول الاخوان المسلمين دائما ً وضع سيد قطب في الظل لانه الاثبات الذى لا جدال فيه ان كافة التنظيمات الإرهابية الإسلامية حول العالم قد خرجت من عباءة الاخوان المسلمين، بل ان سيد قطب هو من أعاد هيكلة الفكر السلفي الجهادي و الوهابية ، و هو من بعث أفكار أبن تيمية و ابن القيم الجوزية مرة اخري بينما كانت محاولات الوهابيين على مدار قرنين من الزمن ليست بفاعلية تنظيره الفكري.

ان اهم مفاتيح فهم شخصية سيد قطب هي مفتاح فهم التطرف الديني و العلماني على حد سواء، ذلك لان قطب تنقل ما بين الفريقين، فمثل للمرة الثانية حلقة مفقودة في فهم ظواهر فكرية لدي الفريقين تحسبها متضادة و لها أسباب مختلفة بينما هي في الواقع متطابقة و تنبع من نفس الأسباب ، ان اهم مفتاح لفهم شخصية سيد قطب هو انه لم يتخلص قط من صدمة البيئة المحافظة ذات المرجعية الاجتماعية القروية امام التطور الحضاري ، و الصدمة القروية المحافظة لا تقتصر على طبقة اجتماعية بعينها في مصر، و لا تقتصر على اهل القرية بينما لا نراها في اهل المدينة ، بل يمكن رصدها في اى طبقة او منطقة لانها فكر و أسلوب حياة .

هذه الصدمة القروية امام التطور الحضاري تجعل الفرد يسلك طريقين كلاهما يتعلق بالثوابت الدينية ، و ذلك بعد فترة انتقالية يحاول فيها الفرد التماهي مع المتغير الحضاري الطارئ ، الطريق الأول هو الارتداد العنيف الى الأصول الدينية ، اشبه بالصرخات البدائية امام ضجيج الحضارة ، فكل ما هو غير مفهوم هو مخيف ، و هو مؤامرة من الغرب على صميم الدين ، مؤامرة وجب معها تسليح الدين و القيام بالحرب المقدسة لحمايته و حماية دولته و شعبه.

هذا النوع من المفكرين مهما بلغوا من الرتب العلمية ، او الجولات الظافرة حول العالم ، فأن الصدمة القروية التي تتحول الى صراخ بدائي ذو طابع أصولي ديني صريح او مستتر يمثلهم في المكتبة المصرية اليوم كتابات عبد الوهاب المسيري و جلال امين ، حيث اصبح مجرد تبضع المواطن في مركز تجاري او تناول قدح من القهوة في مقهي فاخر هو اغتيال للهوية و انخراط في مؤامرة أمريكية ، و خلق جيلا ً من الشباب الإسلامي او اليساري – او كلاهما معا ً – يظن ان الذهاب الى المول التجاري خيانة لمبادئ اليسار او الإسلام السياسي ، بينما اغتيال الهوية و المؤامرة حتى بقسمها الأمريكي التجاري اعمق بكثير من حقيقة ان المول التجاري ما هو الا امتداد للأسواق الشعبية القديمة و ان كافة الظواهر التي يتناولها مفكرو هذا التيار هي امتداد طبيعي لظواهر كانت موجودة في مصر عبر مئات السنين.

انه صراخ بدائي حتى ضد التطور المصري ذاته ، فالمطلوب هو الحفاظ على أجواء ريفية من التقشف و بلادة الطموح المعيشي من اجل الحفاظ على الهوية الإسلامية في نظر هذا الفريق الذى سافر و درس و بعضهم تزوج أيضا ً في بيئات أوروبية او حتى خليجية مخملية و لم يتخلص بعد من الصدمة الحضارية لدى رؤية هايبر ماركت او سلسلة كافيهات او مول تجاري.

والملاحظ في هذا التيار انه يحاول التماهي أولا ً مع التحضر ، بالتوجه الى الفكر الأقرب للفكر المحافظ الا و هو الفكر اليساري او حتى الشيوعي ، و بعضهم يلحد بالفعل لبعض الوقت في اطار الشعور بالاغتراب و الكفر بالبدائية الريفية التي ظن انها النموذج الأمثل، قبل ان يعود الى الحظيرة المحافظة مرة اخري.

لعل المثقفين و العلمانيين يتجاهلون هذه النقطة لأن اغلبية أبناء التيارات العلمانية عانت من نفس المشكلة ، الا هو الصدمة القروية من التطور الحضاري سواء بالهجرة من القرية الى المدينة ، او الفوارق الطبقية بين اهل المدينة ، او السفر للدراسة او العمل في بيئات اكثر انفتاحا ً اقتصاديا ً او اجتماعيا ً ، و من ان يثبت الفرد في هذه الحالة أنه لائق للتطور الحضاري و انه قابل للاندماج بين هؤلاء القوم – الذى عادة ما يشعر وسطهم بالدونية و يشعر بانهم الأفضل منه بشكل دائم – فانه يلجأ الى التطرف العلماني، و لعل هذا يفسر العصبية الشديدة التي نراها في البعض ممن ارتدوا ثوب التنوير و العلمانية والالحاح العصبي في نسف الثوابت و التراث لعل ذلك الالحاح يرضى أبناء العالم المتحضر الذى يقوم بتملقهم داخليا ً و خارجيا ً متى شعر بانه بين يدي احدهم، انها نفس الصرخات البدائية القروية ولكن في الاتجاه الاخر .

انه الوجع الدائم للصدمة القروية بأنه غير لائق للتماهي مع التطور الحضاري ، لذا يبدأ هذا الأداء العنيف في التصاعد و التزايد من اجل الشعور بالتفوق الحضارى عن المحيط العام ، انهم في واقع الامر وجهان لعملة واحدة ، هوس نصرة الدين يقابله هوس الغاء الدين ، هوس تغطية المرأة و كبحها و هوس تعرية المرأة و جعلها جنس انقي من باقى المخلومات ، هوس البعد عن كل ما هو حديث حتى لو كان مجرد مبني تجاري و هوس ارتياد البعد كل ما هو قديم حتى لو كان دور عبادة.

اما أهمية سيد قطب في كل هذا فهو انه مر بالحدثين معا ً ، فوجب تجاهله